المركز الإعلامي

مقابلة لوكالة الانباء القطرية مع سعادة نائب رئيس اللجنة القطرية لتحالف الحضارات

19 سبتمبر 2022

الدوحة - قنا/ يعرف الحوار عموما بأنه عملية تشاور وتبادل للآراء والأفكار بين اثنين أو أكثر، دول أو شعوب أو أفراد بهدف الوصول إلى تفاهم مشترك حول مسألة وقضية خلافية بعينها، وبالتالي تجاوز المصاعب والعقبات، والوصول إلى نقطة التقاء بين المتحاورين، ما يفضي في النهاية إلى توافق وتراض بينهم، في أجواء من الاحترام لوجهات النظر المختلفة، مع التركيز على ما يجمع، وتجنب كل ما هو غير مشترك في المواقف والرؤى، بعيدا عن حسابات الربح والخسارة.

وللحوار أشكال مختلفة، منها ما يتعلق بالحضارات والأديان والمجتمعات وغير ذلك، في عالم يشهد اليوم اضطرابات ومتغيرات شتى، وسوء تفاهم، وتصاعدا للغلو والتطرف وخطاب الكراهية والشعبوية، ما يحتم مواجهة كل ذلك والتصدي له بالحكمة والحوار الجاد والبناء والتسامح للحد من تفاقم هذه المشكلات والتباينات أيا كان نوعها، وحصرها، بل والتوصل إلى حلول عادلة لها، تفاديا لآثارها وتداعياتها السلبية والمدمرة، ليس على فقط أطرافها بل أيضا على السلم والأمن الدوليين.

لكل ذلك أدركت دولة قطر الأهمية القصوى للحوار بين الحضارات والثقافات وبين أتباع الديانات، وأطلقت لذلك مراكز ومبادرات، واضطلعت بدور أساسي في الترويج لمبادرة الأمم المتحدة لتحالف الحضارات منذ أيامها الأولى، ودعمتها بكل السبل الممكنة في بلوغ أهدافها، وأنشأت في سياق متصل اللجنة القطرية لتحالف الحضارات من أجل إبراز مساهمة الحضارة العربية والإسلامية في الحضارات الأخرى، وفي التقدم الإنساني بصفة عامة، والتقريب بين أتباع الديانات، وتشجيع التعايش السلمي وقبول الآخر، بغض النظر عن دينه وخلفيته الثقافية والحضارية.

وفي هذا السياق، يقول سعادة الدكتور أحمد بن حسن الحمادي، الأمين العام لوزارة الخارجية ونائب رئيس اللجنة القطرية لتحالف الحضارات: إن انضمام دولة قطر لمبادرة الأمم المتحدة لتحالف الحضارات التي تعد واحدة من أكثر منصات الأمم المتحدة المتعلقة بحوار الثقافات والتفاهم الحضاري والتعاون، يأتي انسجاما وتطبيقا لما جاء في الغايات المستهدفة لرؤية قطر الوطنية 2030 في مجال التعاون الدولي، والتي أشارت إلى تكثيف وتعزيز التبادل الثقافي مع الشعوب العربية خاصة، والشعوب الأخرى عامة، ورعاية ودعم حوار الحضارات والتعايش بين الأديان والثقافات المختلفة، والمساهمة في تحقيق الأمن والسلم العالميين من خلال مبادرات سياسية ومعونات تنموية وإنسانية، وكذلك مع ما جاء في المادة (7) من الدستور الدائم لدولة قطر، التي أكدت على مبادئ السلم والأمن الدوليين، وعلى دعم حق الشعوب في تقرير مصيرها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والتعاون مع الأمم المحبة للسلام، لافتا إلى أن دولة قطر كانت سباقة في تنفيذ العديد من المبادرات والبرامج والأنشطة المرتبطة بالحوار الحضاري قبل إطلاق الأمم المتحدة لمبادرتها المتعلقة بتحالف الحضارات في عام 2007.

وأوضح سعادة الدكتور الحمادي، في حوار خاص مع وكالة الأنباء القطرية /قنا/، أن اللجنة القطرية لتحالف الحضارات تسعى بموجب قرار مجلس الوزراء الموقر رقم (8) لعام 2010 إلى النهوض بأهداف تحالف الحضارات، باعتباره أداة من أدوات القوة الناعمة للدبلوماسية الوقائية، وذلك من خلال التعاون مع كافة الأطراف الفاعلة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وأن الرسالة التي ينطلق عمل اللجنة بموجبها تؤكد على تعزيز دور دولة قطر في إبراز مساهمة الحضارة الإسلامية، إلى جانب غيرها من الحضارات في التقدم الإنساني، ودورها في تعزيز الحوار وحل الصراعات والنزاعات، والتأكيد على قيم التسامح والتضامن والسلام بين الشعوب، وفي محاربة التطرف والتعصب.

وتابع سعادته قائلا: إنه لتحقيق ذلك تستضيف دولة قطر منذ العام 2010 برنامج زمالة الأمم المتحدة لتحالف الحضارات، الذي يأتي في إطار تعميق الفهم المتبادل للشباب في العالمين الإسلامي والغربي، من خلال إعطاء الفرصة لهم لزيادة وعيهم بالاختلافات الثقافية والسياسية والدينية والاجتماعية، والدور الذي يمكن أن يقوم به الشباب للحد من التطرف والتعصب من كلا الجانبين.

ونوه بأن اللجنة تقوم كذلك بإصدار الكتب والدراسات التي تبرز دور الحضارة الإسلامية في تطور الإنسانية، ومنها على سبيل المثال أثر هجرة المسلمين على فنون وثقافة الشرق الأدنى، وكذلك كتاب الحوار الحضاري وغيرها من الكتب والدراسات التي تغطي كافة جوانب حوار الحضارات، ومن هنا يتضح بجلاء دور قطر المؤثر في حوار الحضارات، وكذا دورها الأساسي في الترويج لمبادرة الأمم المتحدة لتحالف الحضارات ووضعها الخطط ذات العلاقة، ودعمها لتحقيق أهدافها، وما تبع ذلك من إنشاء اللجنة القطرية لتحالف الحضارات، واستضافة الدولة العديد من الفعاليات والمؤتمرات والمنتديات والأنشطة، انطلاقا من رؤيتها وقناعتها بأن تحالف الحضارات يمثل فرصة فريدة لجميع الأمم لتجاوز الإطار التقليدي القومي، والمصلحي الأناني الذي لا يرى مصالح الآخرين، إلى مجال تبادل الأفكار حول ما يجمع الأمم، وكيفية معالجة ما يفرقها، وطرق مواجهة ما يهددها.

وفي هذا السياق، يشير سعادة الدكتور الحمادي إلى أن خطة دولة قطر لتحالف الحضارات (2018 - 2022) التي تواكب الجيل الثاني من الخطط الوطنية لتحالف الحضارات، تعد الخطة الثالثة للجنة القطرية لتحالف الحضارات، حيث سبقتها خطتان الأولى (2010 - 2012)، والثانية (2013 - 2016)، ويوضح أن خطة (2018 - 2022) اشتملت على تنفيذ جملة من البرامج والأنشطة التي غطت مجالات تحالف الحضارات الأربعة المتمثلة بــ (التعليم، الشباب، الهجرة، الإعلام).

ولخص سعادته أهم إنجازات الخطة في إطلاق جائزة قطر العالمية لحوار الحضارات للأعوام: 2018 و2019 و2021، والتي لاقت إقبالا واسعا من الباحثين من مختلف قارات العالم، وإطلاق جائزة قطر لتحالف الحضارات على مستوى الطلبة والمؤسسات التعليمية داخل قطر للأعوام: 2019 و2020 و2021، والتعاون مع جامعة قطر ومنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو" في إصدار موسوعة الاستغراب بأربعة أجزاء، وهي أول موسوعة تصدر في العالم الإسلامي تتناول دراسة الغرب من وجهة نظر إسلامية.

وكشف سعادة الدكتور أحمد بن حسن الحمادي، الأمين العام لوزارة الخارجية ونائب رئيس اللجنة القطرية لتحالف الحضارات، في حواره مع وكالة الأنباء القطرية "قنا"، عن أن اللجنة تعكف حاليا على إعداد خطة جديدة للأعوام الخمسة المقبلة انسجاما مع استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة (2023 - 2027)، التي يجري إعدادها من قبل جهاز التخطيط والإحصاء، مبينا أن هذه الخطة تستند على جملة من الأسس والمنطلقات الأساسية، تتمثل في خطابات وتوجيهات حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، ورؤية قطر الوطنية 2030، واستراتيجية التنمية الوطنية (2018 - 2022)، والخطة الاستراتيجية العربية الموحدة لتحالف الحضارات، وبرنامج وتوصيات ومقررات منتديات الأمم المتحدة لتحالف الحضارات، وإضافة برامج وأنشطة جديدة بجانب البرامج والأنشطة الدورية التي تنفذها في مجالات تحالف الحضارات الأربعة (التعليم، الشباب، الهجرة، الإعلام).

وللتأكيد على الدور المؤثر الذي تضطلع به دولة قطر في مجال تحالف الحضارات، وفي بناء جسور السلام والوئام بين الدول والمجتمعات، واهتماماتها بنشر ثقافة التسامح وقبول الآخر ومحاربة الغلو والتطرف وخطاب الكراهية على كافة المستويات، يوضح سعادة الدكتور الحمادي أن تحالف الحضارات شكل منذ إنشائه منصة رائدة للأمم المتحدة للحوار والتفاهم والتعاون بين أتباع الثقافات، بعد صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (14/64) لعام 2009 المؤيد لهذا التحالف، وقال: إن التحالف استطاع في وقت قياسي الربط بين الحكومات والسلطات المحلية ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام في نشر ثقافة الحوار والتفاهم والاحترام بين الحضارات والثقافات والأديان والعقائد.

وأشار سعادته إلى قيام تحالف الحضارات بدعم وإبراز العديد من المشاريع التي تساعد على التفاهم والتوفيق فيما بين الثقافات على المستوى العالمي، لا سيما بين المجتمعات الغربية والمجتمعات الإسلامية، لافتا إلى أن من أهم المبادرات في هذا الخصوص هي مبادرة "الشباب بناة السلام"، التي صممت لدعم الشباب في اكتساب المهارات التي تعزز دورهم الإيجابي في قضايا السلام والأمن، وفي منع النزاعات ومحاربة الغلو والتطرف، ومبادرة دعم البرامج التعليمية المرتبطة بالديانات والمعتقدات من خلال إنشاء بوابة إلكترونية للمصادر المتعلقة بالتربية والتعليم حول الديانات والمعتقدات الأخرى، بما فيها التربية المدنية والأخلاقية والتربية على التسامح واحترام الآخر.

ومضى سعادة الدكتور الحمادي إلى القول: "أما فيما يتعلق بدور دولة قطر في نشر ثقافة السلام ومحاربة الغلو والتطرف الدولي، فقد قامت بدعم مبادرات تحالف الحضارات في هذا المجال، حيث تعد دولة قطر ثالث أكبر مساهم للصندوق الاستئماني لتحالف الحضارات بعد تركيا وإسبانيا، كما استضافت خلال شهر مايو الماضي المؤتمر الدولي الرابع عشر لحوار الأديان المعنون بـ "الأديان وخطاب الكراهية.. بين الممارسة والنصوص"، وكذلك دعمت "صندوق التضامن الشبابي" الذي يقدم التمويل الأولي للمشاريع التي يقوم بها الشباب، والتي تقدم مناهج مبتكرة وفعالة للحوار بين الثقافات.

وحول الهدف من جائزة تحالف الحضارات التي دشنتها اللجنة القطرية لتحالف الحضارات عام 2018 بالتعاون مع اللجنة الوطنية القطرية للتربية والثقافة والعلوم، نوه سعادته بأن إطلاق هذه الجائزة يأتي في إطار مشروع مشترك بين اللجنتين لتنفيذ ما جاء في الهدف الثالث من أهداف خطة دولة قطر لتحالف الحضارات، الذي أكد على توفير جوائز تقديرية للأعمال البحثية المتميزة، وتمويل الأبحاث الرصينة في الحوار بين الحضارات.

وذكر أن الجائزة تهدف إلى تنمية مهارات البحث العلمي لدى الطلبة بموضوعات حول تحالف الحضارات، وتشجيعهم على تقديم أفضل البحوث في مختلف مجالات تحالف الحضارات، وأيضا تشجيع المؤسسات التعليمية على تقديم أفضل الممارسات والمبادرات التي تعزز قيم ومفاهيم تحالف الحضارات، موضحا أن محور الجائزة لعام 2020 كان حول الهجرة والنزوح.

واستعرض سعادة الأمين العام لوزارة الخارجية ونائب رئيس اللجنة القطرية لتحالف الحضارات أهم أنشطة اللجنة في مجالات تحالف الحضارات الأربعة المذكورة. وقال إنها تتمثل بتنفيذ الخطة التوعوية لنشر ثقافة حوار الحضارات بالتعاون مع المدارس والجامعات والمؤسسات الشبابية بالدولة، وكذلك تنفيذ برنامج الندوات الثقافية بالتعاون مع كبار المسؤولين والمختصين في مجال حوار وتحالف الحضارات داخل الدولة وخارجها، مبينا أن من أهم هذه الفعاليات ندوة دولية حول تداعيات جائحة كورونا "كوفيد-19" على أوضاع الهجرة والنزوح، وندوة "دور المعرفة في التفاعل بين الحضارات"، وندوة "التعايش مع الآخر: المسلمون في الصين نموذجا".

وتطرق سعادة الدكتور أحمد بن حسن الحمادي، الأمين العام لوزارة الخارجية ونائب رئيس اللجنة القطرية لتحالف الحضارات، في حوار مع /قنا/، إلى علاقة اللجنة القطرية لتحالف الحضارات بالمجتمع المدني في قطر، وقال إن عملها لا يقتصر على تحقيق رؤيتها للتعاون والشراكة مع المؤسسات الحكومية والمنظمات الدولية فقط، بل إنها قامت أيضا بشراكات مع بعض مؤسسات المجتمع المدني بقطر كمركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، وجمعية بيوت الشباب القطرية، وقطر الخيرية، حيث تم تنفيذ العديد من الفعاليات والأنشطة المدرجة في خطة دولة قطر لتحالف الحضارات (2018 - 2022) في المجالات الأربعة للتحالف (التعليم، الشباب، الهجرة، الإعلام).

أما على الصعيد الدولي، فنوه سعادته بأن اللجنة القطرية لتحالف الحضارات نظمت المنتدى التمهيدي الأول لمنظمات المجتمع المدني لتحالف الحضارات في مايو 2011، بمشاركة ما يزيد عن (170) من قادة المجتمع المدني من أنحاء العالم، مؤكدا أن هذا المنتدى قد حقق أهدافه المتمثلة في التوظيف الأمثل لجهود مؤسسات المجتمع المدني في تعزيز قيم تحالف الحضارات، ونشر ثقافة الحوار بين مختلف الثقافات.

وأشار في رده على سؤال حول أهم التحديات التي تواجه الحوار الحضاري والثقافي في عالم يطغى عليه اليوم النزاع وخطاب الكراهية، إلى أن حوار الحضارات ليس دعوة أممية ذات طابع رسمي لمبادرة مستقبلية يمكن أن تربط بين المجتمعات فقط، بل هي عملية حضارية مستمرة منذ القدم، تربط بين الحضارات المختلفة، لكنه لفت إلى أن الحدث الكبير الذي وقع في الحادي عشر من سبتمبر 2001، وأدى الى تفجير برج التجارة العالمي في الولايات المتحدة، دعا الأمم المتحدة إلى إطلاق "سنة 2001" سنة دولية لحوار الحضارات للتقليل من حدة الاحتقان والاستقطاب الذي حصل بعد هذا الهجوم.

ورأى سعادته في سياق متصل أن الحوار الحضاري بعد عقدين من هذا الحدث، ما زال يواجه تحديات داخلية وخارجية داخل المجتمعات، "فتعد النظرة الغربية لذاتها الحضارية وللآخر من أكبر المعوقات التي تحول بينهما وبين الانخراط في حوار حضاري حقيقي مع الآخر غير الغربي"، مشيرا إلى أن تصاعد موجات الشعبوية السياسية والاجتماعية، لا سيما في بعض الدول الغربية، يشكل عائقا في وجه التفاعل الحضاري للغرب مع الآخر غير الغربي، خصوصا مع العرب والمسلمين، علاوة على كونه يشكل مظهرا فعليا من مظاهر الأزمة الحضارية في الغرب.

كما تطرق إلى أن ظاهرة الإسلاموفوبيا (معاداة الإسلام والمسلمين) تشكل أحد التحديات الكبرى التي تواجه الحوار الحضاري مع الغرب، خصوصا مع توافد المهاجرين العرب والمسلمين إلى الدول الغربية، حيث يلاحظ ارتفاع وتيرة الأعمال العدائية ضد المهاجرين واللاجئين وحتى المواطنين الأوروبيين ذوي الأصول العربية والمسلمة.

وشدد سعادة الدكتور الحمادي على أن مواجهة التحديات التي تقف بوجه إقامة حوار جدي بين حضارات وثقافات العالم، خصوصا بين العالم الإسلامي والعالم الغربي الذي يشهد نزاعات وصراعات متعددة، تتطلب وجود حوار ذاتي ونقدي داخل كل حضارة لتخطي التناقضات الذاتية والخلافات الداخلية، حتى تتشكل الظروف الموضوعية لجميع الأطراف لكي تكون فعالة في تكوين حوار متعدد الحضارات، يستهدف بناء مجتمع عالمي تسوده قيم الإخاء والسلام والتضامن الإنساني، واحترام معتقدات الجميع، والوصول إلى المواطنة العالمية التي تقضي على خطاب الكراهية والنظرة الدونية للآخر المختلف عرقيا أو دينيا.

إلى ذلك يعد مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان المؤسسة الرائدة في قطر المعنية بالحوار بين الأديان والثقافات، وبناء القدرات في مجال الحوار وثقافة السلام، وتشجيع التعايش السلمي بين معتنقي الأديان، وتفعيل القيم الدينية لمعالجة القضايا والمشكلات التي تهم البشرية.

وتؤمن دولة قطر بأن بناء الأمم يبدأ ببناء الإنسان، والتعاون مع أخيه الإنسان لأجل مجتمع قائم على الاحترام المتبادل والعيش المشترك بوئام وتجانس، مهما اختلفت الأديان والثقافات والأعراق والحضارات لأنه لا سبيل للتعايش والتعاون بين الأفراد والجماعات والدول، إلا من خلال الحوار البناء المنطلق من الاعتراف بالآخر وبهويته، واحترام ثقافته وحضارته ومعتقداته ومقدساته، والعمل على إحلال مبدأ التسامح والاعتدال، محل التعصب والغلو، وعلى إحلال إشاعة مبدأ التكامل بين الحضارات والثقافات، محل اختلافها والتفاضل والتنافس بينها، لتجنب الصراعات.

وهو المبدأ الذي يؤكد عليه سعادة الدكتور إبراهيم بن صالح النعيمي، رئيس مجلس إدارة مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، في حواره مع وكالة الأنباء القطرية "قنا"، حيث يشير إلى أن أول مؤتمر لحوار الأديان في دولة قطر بدأ في عام 2003، ودعا له آنذاك صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ليتوالى عقد المؤتمرات، ويصل عددها إلى 14 مؤتمرا حتى الآن، كان آخرها في مايو الماضي بعنوان "الأديان وخطاب الكراهية بين الممارسة والنصوص".

يذكر أن صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، قد وصف في كلمته التي افتتح بها أول لقاء حواري عام 2003، وكان عبارة عن ندوة عقدت تحت عنوان "بناء الجسور" بأنه "لقاء من أجل السلام وإعادة الروح للقيم العليا والمبادئ المثلى للإسلام والمسيحية على السواء.. والتي تؤمن بوحدانية الخالق عز وعلا، وتدعو إلى التآخي والمساواة والتسامح والاعتدال، ونبذ العنف واحترام حقوق الإنسان، والمحافظة على كرامته وحماية حياته وممتلكاته".

وفي العام التالي وتحديدا في شهر مايو 2004 جاء اللقاء الثاني تحت عنوان "حرية التدين"، وكان مؤشرا حقيقيا لتوجه دولة قطر نحو استدامة الحوار بين الأديان، ورعايته، بعدما لمست حماسا ودعما لهذه الخطوة التي أشادت بها قيادات دينية عالمية ومؤسسات دولية مرموقة.

بعدها توالت المؤتمرات التي حملت قضايا متعددة تحت عناوين شتى "دور الأديان في بناء الحضارة الإنسانية، و"دور الأديان في بناء الإنسان"، و"القيم الروحية والسلام العالمي"، و"القيم الدينية بين المسالمة واحترام الحياة"، و"التضامن والتكافل الإنساني"، و"دور الأديان في تنشئة الأجيال"، و"وسائل التواصل الاجتماعي وحوار الأديان. نظرة استشرافية"، و"تجارب ناجحة في الحوار"، و"دور الشباب في تعزيز قيم الحوار"، و"الأمن الروحي والفكري في ضوء التعاليم الدينية"، و"الأديان وحقوق الإنسان".

وفي هذا الصدد، يوضح الدكتور النعيمي أن مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان يعد من المراكز المعدودة على مستوى العالم، التي لديها نشاط دائم متخصص في مجال الحوار بين أتباع الأديان السماوية، كما أنه معروف دوليا وإقليميا بدعوته إلى التعايش المشترك، وإلى احترام الرأي الآخر والتسامح، وله أنشطته التي انتشرت في العالم كله وحققت له سمعة جيدة، مؤكدا أن نهج المركز وأهدافه هي أهداف دولة قطر في نشر السلام والمحبة والفضيلة التي تدعو لها القيم الدينية، والتي لا ترى أن الحروب والعداوات يمكن أن تخلق تنمية أو تحقق استقرارا للمجتمعات.

وذكر الدكتور النعيمي أن المركز يسعى لحوار بناء بين أتباع الأديان، من أجل فهم أفضل للمبادئ والتعاليم الدينية لتسخيرها لخدمة الإنسانية جمعاء، انطلاقا من الاحترام المتبادل والاعتراف بالاختلافات، وذلك بالتعاون مع الأفراد والمؤسسات الدولية، وقال إنه من أجل ذلك قام المركز بعقد عدة اتفاقيات تعاون مع مراكز ومؤسسات ثقافية وأكاديمية داخل قطر وحول العالم نتجت عنها إقامة العديد من المؤتمرات والندوات مع هذه المراكز والمؤسسات في دولها بدعم وتمويل من المركز، كما يعقد المركز ندوات بصورة دورية يحضرها المختصون، ويشارك في تقديمها العلماء والباحثون.

وأضاف سعادته أنه على المستوى المحلي أخذ المركز دوره، ووضعه الطبيعي في توفير البيئة المناسبة لتدريب الشباب القطريين والمقيمين على قضايا الحوار، وأوجد فرص التواصل والتعاون بين المواطنين والمقيمين بغض النظر عن دياناتهم من خلال الطاولات المستديرة للحوار بين الجاليات في مجالات مختلفة منها: التعليم والصحة والأمور القانونية والحياة الثقافية عموما، كما أوجد حوارا بينهم وبين المجتمع القطري والجهات الرسمية، لتصل وجهات نظرهم في كافة القضايا بالتعاون بين المركز والجهات المختلفة، بما فيها مؤسسات التعليم العالي والمدارس والجمعيات الخيرية الموجودة في قطر وغيرها من منظمات المجتمع المدني. كما أطلق المركز عام 2013 جائزة الدوحة العالمية لحوار الأديان، وأعلن عن الفائزين بها في دورتها الرابعة في مايو 2022، وكان عنوانها "إسهامات بارزة في نشر ثقافة الخطاب المعتدل".

وأوضح الدكتور النعيمي أنه نتيجة لكل تلك الجهود والمبادرات الإيجابية الناجحة والمقدرة فيما يعنى بحوار الحضارات والأديان، وتبني الحوار عموما نهجا لحل الخلافات، أصبحت قطر دولة رائدة في جميع هذه المجالات التي تنطوي على دعوة صريحة وصادقة للتعايش الحضاري والدعوة للسلام، ما أكسبها مكانة عالمية مرموقة، وجعلها واحدة من دول العالم الأكثر تأثيرا في مثل هذه القضايا، وفي كل ما يهم الأمن والسلم الدوليين.

ولا شك أن هذا الحراك الحواري النشط والمتعدد الأبعاد والمستويات يعكس إيمانا عميقا بقيمة الحوار، باعتباره مبدأ حضاريا، مع الحرص على تحقيق التقارب بين الحضارات وأتباع الديانات والثقافات، والتخفيف من حدة التوترات والصراعات والصدامات بينها، عبر خطط وبرامج مدروسة.

وينطلق هذا الدور القطري المميز، الذي يحظى باحترام وترحيب وتقدير المجتمع الدولي، من إيمان قطر بأهمية بناء مجتمعات مستدامة قادرة على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ومن كونها عضوا فاعلا في المجتمع الدولي وهيئاته ومنظماته ولجانه المعنية التي تدعو لمثل هذه الغايات النبيلة، ما يؤدي في النهاية إلى سلام وأمن دوليين مستدامين، وإلى الانتقال من مرحلة الحوار إلى مرحلة الشراكة الحقيقية والفاعلة بين المؤسسات الحضارية والدينية ومؤسسات المجتمع المدني، لإيجاد روح إنسانية ودينية وحضارية مسالمة ومحبة لبناء عالم مسالم متحضر، وهو ما ظلت قطر تدعو له باستمرار.

ويمثل الحوار بين الحضارات والثقافات والشعوب على قاعدة التفاهم المتبادل واحترام تساويها في الكرامة شرطا مسبقا أساسيا لتحقيق التماسك الاجتماعي، والمصالحة بين الشعوب، والسلام بين الأمم لذلك كله لن يكون هناك سلام بين كل هذه المكونات الحضارية والدينية والثقافية والمجتمعية يقوم على مبدأ الشراكة الإنسانية، ما لم يكن هناك حوار بينها، وعلى هذا الأساس فإن الحوار هو السبيل إلى بلوغ الهدف المنشود والوصول بالإنسانية إلى بر الأمان.

مقابلة لوكالة الانباء القطرية مع سعادة نائب رئيس اللجنة القطرية لتحالف الحضارات